الناظر في كتب التفسير والمتأمل في ثناياها لا يعجزه أن يقف على تعدد أقوال المفسرين في تفسير آية ما، أو اختلافهم في تحديد المراد من كلمة، ونحو ذلك مما تتعدد فيه الأقوال، وتتنوع فيه الاختلافات. نرمي في هذا المقال إلى رصد هذه الظاهرة التفسيرية، وتبيان أسبابها.
المراد بـ (الاختلاف)
(الاختلاف) لغة ضد الاتفاق، والاختلاف والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو قوله. و(الاختلاف) قد يراد به اختلاف التنوع، وقد يراد به اختلاف التضاد. و(الاختلاف) في التفسير نوعان: اختلاف تنوع، وهو الاختلاف المحمود، واختلاف تضاد وهو المذموم.
و(الاختلاف المذموم) -كما عرفه السيوطي- ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر.
و(الاختلاف المحمود) هو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة. وهذا النوع من الاختلاف مفيد في فهم المعنى، وفيه إثراء له.
و(الاختلاف) في أقوال السلف في التفسير معظمه اختلاف تنوع في العبارة، وليس اختلاف تضاد. أما اختلاف التضاد، وهو ما كانت العبارات فيه متعارضة، بحيث إذا أُخذ بأحد الأقوال لم يؤخذ بغيره، فهو قليل بين السلف.
ونكتفي في هذا المقام بذكر مثال على الاختلاف الذي يذكره المفسرون، ونختار ما ذكره الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر} (النساء:59)، قال: "اختلف أهل التأويل في (أولي الأمر) الذين أمر الله بطاعتهم في هذه الآية؛ فقال بعضهم: هم الأمراء..وقال آخرون: هم أهل العلم والفقه..وقال آخرون: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم..وقال آخرون: هم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما"، فأنت ترى أن الأقوال تعددت في المراد من (أولي الأمر)، ولكل قول دليله وسنده، وهذا الاختلاف في تحديد المراد أمر واقع في التفسير، لا يمكن نكرانه، ولا تجاهله. وإذا كان الأمر كذلك، فمن المفيد أن نقف على أسباب هذا الاختلاف.
أسباب الاختلاف
ذكرنا أن اختلاف المفسرين على نوعين: اختلاف تنوع، واختلاف تضاد، وأن الأول هو الغالب في كلام السلف، أما الثاني فهو قليل؛ وحديثنا هنا مقتصر على أسباب اختلاف التنوع.
يمكن إرجاع اختلاف التنوع إلى جملة من الأسباب، هي وفق التالي:
السبب الأول: تنوع الأسماء والصفات، بأن يعبر كل مفسر عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى في المسمى، غير المعنى الآخر، مع اتحاد المسمى، مثل أسماء الله الحسنى، وأسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسماء القرآن. فأسماء الله الحسنى كلها تدل على مسمى واحد، فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضاداً لدعائه باسم آخر، قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} (الأعراف:180) فكل اسم من أسماء سبحانه يدل على شيئين: على ذات الله، وعلى الصفة التي تضمنها هذا الاسم، كـ {الرحيم} يدل على الله، ويدل على صفة الرحمة، و{القدير} يدل على الله، ويدل على صفة القدرة، وهكذا. والأمر كذلك مع أسماء رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأسماء القرآن، فالرسول صلى الله عليه وسلم له أسماء متعددة، كمحمد، وأحمد، والماحي، والحاشر، والعاقب. والقرآن له أسماء متعددة كذلك، مثل: القرآن، والكتاب، والفرقان، والشفاء، والبرهان.
ومن أمثلة هذا النوع أيضاً: اختلاف المفسرين في معنى قوله سبحانه: {الصراط المستقيم}، قال بعضهم: هو القرآن، وقال بعضهم: هو الإسلام، وقال بعضهم: هو السنة والجماعة، وقال آخرون: هو طريق العبودية، وقال فريق، هو طاعة الله ورسوله. ولا تنافي بين جميع هذه الأقوال؛ لأنهم جميعاً أشاروا إلى ذات واحدة، ولكن كل واحد منهم وصفها بصفة من صفاتها.
السبب الثاني: التعبير بالمثال، حيث يذكر كل واحد منهم من الاسم العام بعض أنواعه، لا على سبيل مطابقة الحد للمحدود في عمومه وخصوصه، ولكن على سبيل التمثيل، بتنبيه الإنسان على النوع، مثال ذلك قوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} (فاطر:32). فالمعروف أن (الظالم لنفسه) هو الذي ترك المأمورات، وارتكب المحظورات، وأن (المقتصد) هو الذي اقتصر على فعل المأمورات وترك المحظورات، وأما (السابق في الخيرات) فهو الذي زاد على أداء الواجبات فعل المستحبات، وزاد على ترك المحظورات توقي الشبهات، بيد أن المفسرين اختلفت عباراتهم في تفسيرها، فقد قال بعضهم: (السابق) الذي يصلي في أول الوقت، و(المقتصد) الذي يصلي في أثنائه، و(الظالم لنفسه) الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار. وقال بعضهم: (الظالم) آكل الربا، أو مانع الزكاة، و(المقتصد) الذي يؤدى الزكاة المفروضة، ولا يأكل الربا، و(السابق) المحسن بأداء المستحبات مع الواجبات، إلى غير ذلك من عباراتهم. فكل نوع من هذه الأنواع التي ذكروها داخل تحت الآية، وأُريد به التنبيه على مثيله؛ لأن التعريف بالمثال قد يكون في بعض الأحوال أفضل من التعريف بالحد المطابق.
السبب الثالث: ما كان الاختلاف فيه راجعاً إلى احتمال اللفظ أمرين، أو أكثر، وهو ما يسمى بالاشتراك اللغوي، كلفظ {قسورة} في قوله تعالى: {فرت من قصورة} (المدثر:51)، فيُحتمل أن يراد به الرامي، ويُحتمل أن يراد به الأسد. ونحو ذلك من الألفاظ المشتركة، التي اتحد لفظها واختلف معناها، كلفظ (اليمين)، يطلق على اليد، وعلى القوة، وعلى القسم، وكلفظ (العين)، يطلق على عين الماء، وعلى العين الباصرة، وعلى الجاسوس، ونحوها.
السبب الرابع: التفسير بألفاظ متقاربة، لا مترادفة. فقد يعبر المفسر عن اللفظ بلفظ قريب، لا بلفظ مرادف له. مثال ذلك ما ذكره المفسرون في قوله تعالى: {وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت} (الأنعام:70)، فقد فسر بعضهم قوله: {تبسل} بمعنى تحبس، وقال بعضهم: ترتهن، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: تفضح، وليس هناك تضاد بين هذه الأقوال، فالمفسر حين يفسر إنما يريد تقريب المعنى.
السبب الخامس: الاختلاف في مرجع الضمير. مثاله قوله عز وجل: {إنه ربي أحسن} (يوسف:23)، فروي عن مجاهد أن الضمير يعود على (السيد)، يعني: زوج المرأة. وصحح أبو حيان عود الضمير إلى الله تعالى، أي: "إن الله ربي أحسن مثواي؛ إذ نجاني من الجب، وأقامني في أحسن مقام"، وهذا هو الراجح؛ لأن مراعاة يوسف عليه السلام لحقوق الله تعالى، وصونه لنعمه، يتضمن مراعاة حقوق العباد، وقوله تعالى في ختام الآية: {إنه لا يفلح الظالمون} الذين يسلبون حقوق الآخرين، ويفرطون في العهود، ويخونون الأمانات، وينتهكون الحرمات، ومراعاة حق الله عز وجل مقدم على مراعاة حق العباد.
السبب السادس: اختلاف القراءات القرآنية، نحو قوله تعالى: {وقالت هيت لك} قرأ نافع وابن ذكوان عن ابن عامر، وأبو جعفر بكسر الهاء وفتح التاء، (هِيتَ) وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء (هَيْتُ) وقرأ الباقون بفتح الهاء وسكون التاء (هَيتْ)، وقرأ هشام -كما روي عنه إبراهيم بن عباد- (هِئتُ) بكسر الهاء وضم التاء، أي: تهيأت لك، ومدار القراءات حول معنى واحد وهو: هلم وأقبل، فلقد تهيأت لك.
السبب السابع: الاختلاف في القول بالنسخ، فقد يقول بعض المفسرين بالنسخ لمجرد التعارض، ولو أمعنوا النظر وأعملوا الفكر لما وجدوا تعارضاً بين النصوص يدعو إلى القول بالنسخ، فإعمال النص خير من إهماله، ولقد توسع المتقدمون في النسخ، حتى أدخلوا فيه ما ليس منه، فاعتبروا التخصيص والبيان والتقييد من قبيل النسخ. قال ابن القيم: "ومن تأمل في كلامهم -يعني المتقدمين- رأى من ذلك فيه ما لا يحصى، وذهب عنه به إشكالات، أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر". والمثال على هذا الاختلاف اختلافهم في قوله تعالى: {لا إكراه في الدين} (البقرة:256)، فقد قال فريق من أهل العلم: إن الآية منسوخة؛ لأنها نزلت قبل أن يفرض القتال. والصواب أن الآية غير منسوخة.
السبب الثامن: الاختلاف في حمل اللفظ على الحقيقة أو المجاز. من ذلك اختلافهم في تفسير قوله تعالى: {حمالة الحطب} (المسد:4) قيل: كانت تحمل الأشواك، وتنثرها أمام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذاء له، فكان جزاؤها في الآخرة من جنس عملها في الدنيا، حيث تحمل الحطب على ظهرها في نار جهنم لتزداد النار حرارة والتهاباً وسعيراً عليها وعلى زوجها، الذي كانت تنفث فيه روح الحقد، وتذكي نار غضبه، وتضرم لهيب حسده لرسول الله، فيزداد حنقاً عليه وايذاء له. وقيل: كانت تمشي بين الناس بالنميمة، فتنمي العداوة بينهم، كما تزداد النار اشتعالاً وحرارة حين يلقى الحطب فيها. وقيل: كانت تعير رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، ثم إنها كانت تحتطب بنفسها، وتحمل الحطب على ظهرها؛ لشدة بخلها، وحرصها، فعيرت بالبخل. وقيل: أي: حمالة الخطايا والذنوب، وإذا كان الحطب يشعل النار، فإن الخطايا والآثام تلقي بصاحبها في النار. فهذه الأقوال منها ما هو على سبيل الحقيقة، ومنها ما هو على سبيل المجاز.
السبب التاسع: تفاوتهم في معرفة السنة النبوية: من ذلك أنه قد لا يبلغ الحديث أحد الصحابة أو التابعين، فيجتهد في المسألة، فيدلي برأي مخالف لما قال به النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه يتراجع عن رأيه حين يصله الحديث. مثال ذلك: اختلاف بعض الصحابة في عدة المتوفى عنها زوجها إذا وضعت حملها، هل تنقضي عدتها بوضع الحمل، فينطبق عليها قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} (الطلاق:4) أو تعتد بأربعة أشهر وعشراً، وهي عدة المتوفي عنها زوجها، كما في قوله سبحانه: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (البقرة:234) فقد رأى ابن عباس رضي الله عنهما أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً تعتد بأبعد الأجلين، ورأى ابن مسعود أنها إذا وضعت حملها قبل تمام الأربعة أشهر وعشر فعدتها بوضع الحمل.
السبب العاشر: الاختلاف في الإطلاق والتقييد: و(الإطلاق) تناول واحد غير معين، و(التقييد) تناول واحد معين، أو موصوف بوصف زائد؛ فقد يري بعض المفسرين بقاء المطلق على إطلاقه، ويرى آخرون تقييد هذا المطلق بقيد ما، من ذلك عتق الرقبة في كفارة اليمين، وكفارة الظهار، فقد وردت في كفارة اليمين مطلقة في قوله تعالى: {أو تحرير رقبة} (المائدة:89)، ووردت مقيدة في كفارة القتل الخطأ في قوله عز وجل: {فتحرير رقبة مؤمنة} (النساء:92) فحَمَلَ بعض المفسرين المطلق على المقيد، وقالوا: لا تجزئ الرقبة الكافرة، وأبقى بعضهم المطلق على إطلاقه، فقالوا: تجزئ أي رقبة مؤمنة أو غير مؤمنة.
السبب الحادي عشر: الاختلاف في العموم والخصوص: مثال ذلك اختلافهم في تفسير قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات} (البقرة:221) فمن المعلوم أن النصرانيات واليهوديات مشركات، لكنهن لا يدخلن في عموم هذه الآية، بدليل قوله تعالى في سورة المائدة: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} (المائدة:5) فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله سبحانه: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نُسخ من ذلك نكاح نساء أهل الكتاب، أحلهن للمسلمين، وحرم المسلمات على رجالهم. وذهب فريق إلى أن الآية على عمومها، يدخل فيها كل مشركة من أي أصناف الشرك كانت، غير مخصوص منها مشركة دون مشركة، وثنية كانت، أو مجوسية أو كتابية، ولا نسخ منها شيء.
السبب الثاني عشر: الاختلاف في فهم حروف المعاني: فقد يدل الحرف على أكثر من معنى، كما في قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} فقيل: (الباء) للملاصقة. وقيل: للتبعيض. ومثال ذلك أيضاً اختلافهم في (من) الواردة في قوله تعالى: {وخلق منها زوجها} (النساء:1) قيل: إنها تفيد التبعيض؛ لأن حواء خُلقت من بعض آدم عليه السلام. وقيل: إنها بيانية؛ لأن حواء خُلقت من جنس آدم، وخلقها الله من جنسه؛ لتتحقق الألفة والوئام والمودة، والانسجام؛ لأن الجنس إلى الجنس أميل.
السبب الثالث عشر: الاختلاف في أوجه الإعراب: من ذلك اختلافهم في تفسيرهم لقوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون} (المائدة:69) حيث جاءت كلمة (الصابئون) في الآية مرفوعة، وما قبلها منصوب، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى، والصابئون كذلك، قال ابن كثير: "لما طال الفصل حسن العطف بالرفع". وقيل: {والصابئون} معطوف على محل {إن} واسمها، ومحلها الرفع، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا، والصابئون كذلك.
السبب الرابع عشر: اختلافهم في أسباب النزول: مثاله الآيات الواردة في صدر سورة التحريم؛ وقد نزلت تعقيباً على ما حدث في بيت النبوة، حين حرَّم رسول الله على نفسه شيئاً أحله الله له، وأسر بذلك إلى إحدى زوجاته، فنبأت به عائشة رضي الله عنها، فنزل القرآن الكريم بآيات بينات فيها عتاب لرسول الله، وتوجيه لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن. وقد وردت روايات متعددة في أسباب نزول صدر سورة التحريم، ورد في بعضها أن الآيات نزلت في قصة تحريم الرسول شرب العسل على نفسه، وبعضها في قصة تحريمه أم إبراهيم "مارية القبطية" على نفسه.
السبب الخامس عشر: مراعاة السياق، فبعض المفسرين يفسر الآية مراعيًّا للسياق الذي وردت فيه، وبعضهم يفسرها دون اعتبار لسياقها، بل بالنظر إلى سبب نزولها أو لاعتبار يراه هو، مثال ذلك قوله عز وجل: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} (البقرة:195)، فقد قيل في المراد بالإلقاء في {التهلكة} أقوال عديدة، بيد أن السياق يرجح أن المراد -كما اختار الطبري- الأمر بالإنفاق في سبيل الله، والنهي عن ترك النفقة فيها؛ لأن ترك النفقه في سبيل الله مستوجب لعذابه سبحانه. وهذا الاختيار للمراد من الإلقاء في {التهلكة} مستفاد من سياق الآيات.
السبب السادس عشر: اختلافهم بسبب حمل الكلام على التقديم والتأخير، والمراد بـ (التقديم) و(التأخير): "جعل اللفظ في رتبة قبل رتبته الأصلية، أو بعدها؛ لعارض اختصاص، أو أهمية، أو ضرورة". مثال ذلك اختلافهم في قوله سبحانه: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك} (آل عمران:55) فقال جماعة: إن الآية على التقديم والتأخير؛ لأن (الواو) لا توجب الرتبة. والمعنى: إني رافعك إلي، ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد أن تنزل من السماء؛ كقوله: {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمي} (طه:129) والتقدير: ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمي لكان لزاماً. وقال بعضهم: معنى {متوفيك} قابضك، {ورافعك} إلى السماء من غير موت. وقال آخرون: {متوفيك} قابضك، ومتوفيك ورافعك واحد، ولم يمت بعد. وصواب القول هنا: إن الله تعالى رفع عيسى عليه السلام إلى السماء من غير وفاة، ولا نوم، وهو اختيار الطبري، وهو الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما.
السبب السابع عشر: تنوع ثقافة كل مفسر، فالمفسرون المتقدمون فسروا الآيات العلمية تفسيرات مستمدة من علوم عصرهم، ومع تطور العلوم أثبت المفسرون المتأخرون قصور تلك التفسيرات، والمثال على ذلك قوله عز وجل: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} (الذاريات:47) فقد قيل في المراد منها: أي: وإنا لذو سعة، وبخلقها وخلق غيرها، لا يضيق علينا شي نريده. وقيل: وإنا لموسعون الرزق على خلقنا. وقد أثبت علماء الفلك المعاصرون أن الكون يزداد ويتسع.
هذا عن اختلاف التنوع الذي يوجد بكثرة في أقوال السلف؛ فإن معظم اختلافهم يندرج تحته، أما اختلاف التضاد، وهو ما كانت العبارات فيه متعارضة، بحيث إذا أُخذ بأحد الأقوال لا يؤخذ بغيره، فهو قليل بين السلف، ومثال ذلك: اختلافهم في تعيين المراد بـ (الصلاة الوسطى) في قوله تعالى: {حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى} (البقرة
، فقد قيل فيها أقوال متعددة، شملت الصلوات كلها. والكلام على هذا النوع من الاختلاف يحتاج إلى بسط، ليس هذا موضعه.